للمديرين: لا نجاح إلا بالتخطيط

عبدالله بن عبداللطيف العقيل

أهم ضوابط وشروط وآليات التخطيط السليم الشامل والخطط الناجحة التي يمكن من خلالها للتخطيط أن يكون سليماً وللخطط أن تكون ناجحة بإذن الله:

5- أن يُبنى التخطيط (وتبنى الخطط) على معلومات دقيقة وشاملة، وهذه المعلومات على أنواع ثلاثة:

أ) معلومات استقرائية: ويُتحصَّل عليها من خبرة وتجارب المنظَّمة في السنوات السابقة، ومن المشاكل والحوادث التي عانت منها وكيف عولجت؟ وكيف تمَّ التعامل معها؟ ومن مراجعة القرارات والأعمال الداخلية والخارجية المختلفة التي أثرت عليها وعلى أدائها وسيرها بأيِّ شكل من الأشكال، إيجابياً أو سلبياً، بما في ذلك القرارات والمؤثرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المختلفة، كما يُتحصَّل عليها من التقارير والإحصائيات والمعلومات المالية والإداريَّة والفنية المتنوعة. ويتوقع أن تكون هذه النوعية من المعلومات متوفرة تماماً، وفي غاية الدقة والوضوح–>

ب) معلومات حالية: وتتمثل في دراسة وضع المنظَّمة الحالي من ناحية الأداء والصعوبات والمشاكل والإيجابيات والسلبيات، وكذلك من ناحية المؤثرات المختلفة المذكورة آنفا، وكذلك استطلاع آراء العاملين والعملاء حول الوضع العام للمنظَّمة وحول الخدمات والسلع، وحول أفكار التطوير والعلاج وخلافه، بالإضافة إلى معرفة الوضع المالي والإداري والبشري والفني كمياً ونوعياً من خلال الإحصائيات والتقارير المتنوعة. وهذه المعلومات يتوقع أن تكون متوفرة ودقيقة إلى حد كبير.

ويدخل في جمع المعلومات الحالية الاستفادة من تجارب المنظَّمات الأخرى في موضوع الخطة، والاطلاع على ما وصلوا إليه، ونتائج تطبيقاتهم، وذلك مفيد، شريطة ألا تطبق أيّة خطط وتجارب لمنظَّمات أخرى كما هي؛ لأنَّها لن تنجح غالباً، وإنَّما يُفاد من التجربة ودروسها على وجه العموم.

ج) معلومات توقعيَّة (استشرافيَّة): عن وضع وتوجهات السوق حيال الخدمة أو المنتج أو السلعة أو المشكلة أو الموضوع المراد التخطيط له في المستقبل، وتُستشف من خلال قراءة متأنية للدروس والعبر والأفكار المستنتجة من المعلومات آنفة الذكر في (أ) و (ب)، ومن خلال كافة مصادر المعرفة والمعلومات المتوفرة، ومن التحليل التوقعي للأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنافسية والتنظيمية، الحالية والمستقبلية.

ومن مجموع هذه المعلومات الثلاث يمكن رسم صورة واضحة ومتكاملة عن مستقبل الخدمة أو السلعة أو المنتج في السوق، ومستقبل عمل ونشاط المنظَّمة عموماً، أو مستقبل الموضوع الذي يُخطط له، إضافةً إلى معرفة مكامن التطوير والتميُّز الممكنة، وما يتطلبه التنافس والظروف والوضع في المستقبل، كما يمكن معرفة أسباب المشاكل والصعوبات داخل المنظَّمة، سواءً التنظيمية أو الإداريَّة أو المالية أو البشرية أو الفنية أو النوعية أو مع عملائها، ووضع الحلول والعلاجات لها في الخطة، وكذلك معرفة مواطن القوة بحيث يتم تعزيزها، والضعف بحيث يتمُّ تجاوزها أو تقويتها في الخطة.

6- يجب إشراك كافة أفراد المنظَّمة في عملية التخطيط بدءاً من الخط التنفيذي الخدمي والإنتاجي الأول، إلى أعلى سلطة في المنظَّمة. إن هذا الأمر مهم للغاية؛ للوصول إلى خطط واقعية وسليمة ومتكاملة ومترابطة وقابلة للتطبيق، كما أنَّ إشراكهم في وضعها والتفكير فيها أساسي في ولائهم لها وحرصهم على تطبيقها كاملةً، فضلاً عما للمشاركة الفاعلة من أهمية في السلامة من تشتت الجهود والأفكار وتبعثرها وربَّما تعارضها.

يقول أستاذ الإدارة العالمي بيتر دركر: (لدينا دليل قاطع وواضح على أنَّ هناك تخطيطاً أفضل إذا شارك من يقوم بالعمل في التخطيط على مستوى المسؤولية، وهذا هو جوهر الأسلوب المعروف باسم تبسيط العمل الذي أثبت نجاحاً على مدار ثلاثين عاماً، والنتائج واحدة – أينما طبق هذا الأسلوب – وهي التصميم الأفضل للعمل، والأداء الأفضل، وعدم وجود مقاومة ضد التغيير).

7- أن يشمل التخطيط كلَّ أجزاء وعناصر المنظَّمة، فيشمل ما يتعلق بالوظائف أعداداً وأنواعاً، وما يتعلق بالموظفين من تدريب وتوزيع وأعداد، ويشمل التجهيزات والإنشاءات، ويشمل التسويق، ويشمل علاج المشاكل، ويشمل التطوير، ويشمل المواد المستهلكة والأولية، ويشمل تكاليف كل جزء وعنصر وبند في الخطة بالتفصيل ثم التكاليف الإجمالية، إضافة إلى الإيرادات المستهدفة أو المتوقعة، والعدد المستهدف أو المتوقع من العملاء المستهدفين وأعدادهم وأنواعهم، وذلك لكلِّ نشاط وإدارة وقسم ولكلِّ فرع أو منطقة. ثم يُكامل وينسق بين مختلف الأجزاء والعناصر والبنود ويوازن بينها، ولا يُغفل أي جانب منها، كما يكامل وينسق بين خطط الأقسام والفروع؛ لأن ذلك مهم جداً للسلامة من تعارض تطوير أو علاج أيِّ جزء أو عنصر من المنظَّمة على حساب أجزاء وعناصر أخرى قد تكون هي الأخرى بحاجة أكبر وضرورة أعظم إلى تطويرها أو توسيعها أو زيادتها أو علاج بعض مشاكلها… إلخ.

8- أن تكون هناك مرونة في بعض بنود الخطة؛ بحيث يمكن التحرك من خلالها في حال اختلاف أو تغيير أيِّ مؤثر أو عامل أو معلومة من المؤثرات والعوامل والمعلومات التي بُنيت عليها الخطة؛ ولكيلا يُضطر إلى إعادة الخطة برمتها، ويمكن تحقيق ذلك بتضمين الخطة وآليات تنفيذها ومنفذيها بدائل مختلفة جاهزة للعمل بها، وخاصَّة البنود المتحركة جداً والتي تتأثر بالأوضاع والظروف والعوامل الخارجية والتنافسيَّة، ونحوها. ويدخل في ذلك ربط بعض البنود والأهداف المحدَّدة في الخطة بتحقق بنود وأهداف أخرى، مثل ربطها -كمياً أو نوعياً – بتحقيق دخل معين أو عدد معين من العملاء أو ربح معين أو بنجاح عملية أو فكرة معيَّنة، أو بإتمام مشروع معين، وهكذا.

9- أن تكون الموارد المالية والبشرية والزمنية وربَّما الإنشائية والمعنوية (صلاحيات مثلاً) متاحة أو سوف تتاح، وألا تتجاوز الخطط حدود ما هو متاح ومتوفر – أو ضُمِنَ أن يكون متاحاً ومتوفراً في فترة الخطة – من إمكانيات مالية وبشرية ومكانية وزمنية وموارد عامّة وغيرها. فوضع خطط معقولة ومدروسة بعناية وتوفرت مواردها وأسباب نجاحها، وتتحقق جلها – حتى لو كانت لا تمثل كل الطموح – أفضل بكثير من وضع خطط طموحة لكنها لم تدرس بعناية أو لم تتوفر لها الموارد والأسباب اللازمة، وفي نهاية المطاف لا تتحقق وتسبب الإحباط. يقول الباحث المتميز روبرت هارتلي: (إنَّ من المبادئ التي يمكن تعميمها والخاصة بمفاهيم التطور، أنَّه ينبغي ألاَّ تتعدى أهداف النمو قدرات وموارد المؤسسة، فيجب كبح فكرة النمو بأيِّ شيء وخاصة على حساب الأرباح والاستقرار المالي، وينبغي وضع ضوابط محكمة على الموارد والنفقات ومراقبة الأداء عن كثب).

10- من المراجع المهمَّة والأساسية لعمليات التطوير والتخطيط وعلاج المشاكل هو استطلاع آراء العملاء ودراستها وتحليلها باستمرار، وإطلاع العاملين على نتائجها بكلِّ شفافية؛ وهو إجراء مهم لاستمرار نجاح المنظَّمة وثباتها في السوق وحصولها على ثقة العملاء والعاملين المستمرة وزيادة انتماء العاملين لها، وأساسي لسلامة وواقعية الخطط. ينقل د.عبد الرحمن هيجان عن جيمس تشامبي قوله: (يجب على المديرين المبادرة إلى فهم احتياجات ومطالب العملاء؛ لأنَّ فهم هذه الاحتياجات سوف يعطي المديرين فرصة لتحديد طبيعة الأسواق، أو المجالات التي سوف يعملون فيها).

11- أن تبدأ الإدارات والفروع في إعداد خططها قبل بداية السنة المحددة بثلاثة أشهر لإتاحة الفرصة لمناقشتها مع المدير الأول ومع أصحاب العلاقة، على أن تنتهي الخطط وتعتمد نهائياً من مجلس الإدارة أو المدير الأول للمنظَّمة وتعلن للمعنيين قبل بداية السنة أو الفترة المحددة بشهر أو بخمسة عشر يوماً على أبعد تقدير.

12- أن تكون هناك جهة في المنظَّمة مسؤولة عن تكامل الخطط وتنسيقها بين أجزاء وأقسام وفروع المنظَّمة المختلفة، فتراجعها وتوازن بينها على ضوء الشروط والضوابط السابقة، فذلك مهم لئلا تكون خطط أيِّ قسم أو فرع متعارضة مع قسم آخر، أو على حساب أقسام وفروع أخرى. وبالتالي يكون الدور الأساسي لهذه الجهة هو ضمان أن يكون هناك تلاؤم وتلاقٍ وتكامل بين خطط كل الأقسام والفروع، وبينها وبين الخطط والأهداف الكليّة للمنظَّمة، ومن ثمَّ تقوم هذه الجهة بعد الاعتماد النهائي للخطط بتوزيعها على الجهات المختلفة والمسؤولين والأفراد، كل حسب دوره فيها، وأخيراً متابعتها باستمرار (كلَّ شهر)، والرفع للإدارة العليا بالتقارير الدورية الشاملة بشأن سير تنفيذها، والعقبات التي تعترضها، ومدى الانحراف عن المخطط والمستهدف؛ وذلك لكي يتم اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة في مراحل مبكِّرة.

هذه الجهة يمكن أن تكون قسم التخطيط والتطوير – الذي يُحدَّد عدد أفراده بحسب حجم المنظَّمة – والذي يكون دوره تنسيقيا، وأفضل منه أن يكوَّن فريق دائم للتخطيط، سواءً السنوي أو الاستراتيجي، والذي عادة لا يكون أعضاؤه مفرَّغين لهذه المهمَّة، ولكن يكون له سكرتارية مفرغة (وهو قسم التخطيط). والفريق المذكور أفضل من الاكتفاء بقسم للتخطيط، يُدار من موظفين ثابتين حيث يصبح أداء العمل في القسم رتيباً بيروقراطياً لا قيمة له ولا أثر، فضلاً عن أنَّ التخطيط وخاصة الاستراتيجي من الأهمية بحيث لا يمكن لمجموعة موظفين في قسم مختص واحد أن يقوموا به، بل يحتاج إلى فريق عالي المستوى، ويرأسه المدير الأول للمنظَّمة، وقد يُطَعَّم بأعضاء خارجيين أو مستشار مختار بعناية، ويتكوَّن من عدد من الأعضاء المشهود لهم بالكفاءة والأمانة وبعد النظر والأداء المتميِّز والولاء لأهداف ومصالح المنظَّمة الاستراتيجية ولقيمها. كما يقوم الفريق، وعن طريق السكرتارية (قسم التخطيط) كلَّ ثلاثة أشهر، ثم في نهاية مدة كل خطة بعمل تقييم كامل لها، ومدى نجاحها، وما تحقق منها مقارنة بما أُريد له أن يتحقق، ويَرفع ذلك للإدارة العليا أو لمجلس الإدارة؛ لدراسة الأسباب والإيجابيات والسلبيات والنتائج ليستفاد منها في تدارك بقية الفترة أو في السنة أو الخطة التالية.

يقول اللواء بيري سميث: (ينبغي أن تتوفر في جميع المؤسسات الكبيرة فرق للتخطيط بعيد المدى، تكون مهمتها تحضير وإعداد خطة شاملة للمدى البعيد – يتمُّ تحديثها سنوياً – والتي يجب أن تتناول قضايا تخطيطية محدَّدة على مدى العام).

13- أن تكون الخطط واقعية وعملية وقابلة للتطبيق، وألا تكون الخطط مغرقة في الآمال، أو مغرقة في التشاؤم والحذر، بل يجب أن تكون وسطاً بين ذلك، وأفضل ضمانة لذلك هو مراعاة الضوابط والشروط الاثني عشر آنفة الذكر، فإنَّه إن تمَّ التخطيط على ضوئها فإنَّه يتوقع أن يكون التخطيط سليماً وأن تحظى الخطط بالسلامة والنجاح وأن تكون أقرب إلى الواقعية وأجدر بأن تتحقق بإذن الله.

وأخيراً.. فإنَّه يجب أن تتعهد الإدارة العليا للمنظَّمة تعهداً كاملاً بتحقيق جميع بنود وأهداف الخطط، وأن يكون لديها الإيمان بها والولاء العملي الصحيح لها والذي يتضح من خلال تعهدها العملي المخلص الدؤوب بالظفر والنجاح للخطط وأهدافها وبنودها.

المصدر لكل ما سبق (كتاب “الإدارة القيادية الشاملة”)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top