الرخام.. روعة الفخامة والبريق الطبيعي

إعداد: قتيبة الربيع

ارتبط اسمه بالفخامة والرقي وامتاز بألوانه الطبيعية وبشفافيته الساحرة, واستطاع بصفاته العديدة أن يكون من أفخم مواد الديكور الذي لا يكاد يخلو منه قصر أو قاعة, فحينما ينتابك شعور برهبة المكان وترفه بمجرد الدخول, أمعن في النظر إليه جيداً.. فمن المؤكد أنه موجود..

نراه على الأرضيات, في الأعمدة وعلى الجدران, في المطبخ والحمامات وفي تصميم طاولات الوسط وفي التحف الصغيرة والنوافذ والسلالم, ويدخل في تصميم بعض غرف النوم, وأينما ذهبنا نجده يدخل التصاميم ويحتل المراكز الأولى في الاستخدام..

صخر نادر
الرخام هو صخر كلسي متحول، يتكون من “الكالسيت” النقي جداً وهو شكل بلوري لكربونات الكالسيوم “CaCO3”, وله استعمالات عديدة كثيرة ازدادت مع التطور المستمر لصناعته منذ اكتشافه إلى يومنا هذا, فهو يستعمل في النحت، وكذلك يستعمل كمادة بنائية، وأيضاً في العديد من الأغراض الأخرى.
ويعدّ مادة غالية الثمن ويعود ذلك إلى ندرته النسبية وللوقت الطويل الذي يتطلبه لكي يتكون تحت طبقات الأرض, فهو يتكون تحت ظروف نادرة من الضغط والحرارة الهائلتين في جوف الأرض.
ومعظم أنواع الرُّخام ذات القيمة التجارية تكوَّنت في حقب الحياة القديمة أو في أوائل ما قبل “العصر الكمبري”,وقد وُجد الرُّخام في عدد من الدُّول بما في ذلك بلجيكا وفرنسا وبريطانيا واليونان والهند وإيطاليا وأسبانيا, ويوجد في دول أمريكا الجنوبية أيضاً مخزون كبير من الرُّخام.

طريقة الاستخراج
الرخام طبيعي المنشأ بشكل كامل, اللون والصلابة والصفات تكونت ونشأت خلال آلاف السنين, تبدأ عملية استخراج الرخام بالتنقيب والبحث عن الجبال التي تحوي صخوراً ذات صفات محددة من حيث الصلابة والكثافة واللون, ثم تقطع كتل كبيرة منتظمة من الصخور بواسطة آليات مصنعة خصيصاً لهذه الغاية, ثم تنقل إلى مصانع الرخام التي تقطع وتعالج الكتل الصخرية الكبيرة وتحولها إلى ألواح أو بلاطات صغيرة حسب حجم الكتل وصفاتها, ثم تتم عملية الصقل والتلميع حسب حاجة السوق.
من ثم يتم التقطيع إلى ألواح, توضع القطع من الرخام على حزازة كبيرة وتحز الكتل الرخامية حتى تتحول إلى ألواح.

ديكور الفخامة
يعد الرخام من البدائل المتاحة الأنيقة في ديكور أرضيات المنازل الحديثة فهو يضفي كثيراً من الفخامة والرقي الشديد على أي مساحة يوجد فيها, وقد استخدم بكثرة في أرضيات وسلالم القاعات والقصور في البداية, ولكنه أُدخل المنازلَ والمكاتب فيما بعد وأصبح في كل بناء لما له من جمالية وأثر عميق في نفسية وشعور الناظر إليه, وقد استخدم في النحت وصناعة التماثيل وتحف الزينة، حتى أضحى من ضروريات الأماكن التي يبحث صانعها عن الترف والفخامة.
في الحقيقة قد تطورت صناعة الرخام كثيراً عما بدأت عليه, شأنها في ذلك شأن كل الصناعات تقريباً, فلم يعد الشكل المألوف للرخام يلبي حاجة الإنسان التي لم تجد حدوداً لها, وأصبح يتطلع إلى مزيد من الترف والرفاهية, وسعى إلى إدخال لمساته الفنية عليه، فدفع بمصممي الأرضيات والديكور إلى التفكير في إضافة عناصر تزيينية جديدة للأرضيات الرخامية, ومحاولة الخلط بين الألوان المتعددة له في اللوحة الواحدة أو المكان الواحد أشبه ما يكون بعملية صناعة الموزاييك أو الفسيفساء, مستفيداً في ذلك من الطريقة التي تم ابتكارها لتقطيع الرخام دون أن يتفتت.
وأحببت أن أذكر تلك الطريقة بالتقطيع لما فيها من غرابة, فبالرغم من قساوة الرخام العالية فهو يقطع بواسطة قوة تدفق الماء..! حيث تقوم آلة التقطيع بدفع الماء على شكل خيط رفيع جداً وبقوة هائلة يستطيع بها الماء اختراق الرخام وقطعه بدقة أشبه ما يكون بمنشار حاد.
ومن أكثر أنواع الرخام استخداماً هو رخام “الكلسيت” لأنه شفاف، أي إن الضوء يخترق مسافة قصيرة تحت سطح الرخام قبل أن ينعكس.
ويتم استخدام كتل الرُّخام الكبيرة الملوَّنة في بناء الأعمدة وصنع الأرضيات وأجزاء أخرى من الأبنية, ويتم سحق قطع الرُّخام الصَّغيرة أو طحنها في النِّهاية واستخدامها مادة كاشطة في الصَّابون وبعض المنتجات الأخرى.
ويتمُّ استخدام الرُّخام المسحوق أو المطحون أيضاً في رصف الطُّرق وتصنيع مواد السُّقوف ومنتجات علاج التُّربة.

تاريخ قديم
حظي الرخام بالاهتمام منذ القديم لجماله وقوته ومقاومته النَّار والتآكل, فقد استخدمه قدماء اليونان في العديد من أبنيتهم وتماثيلهم, واستخدمه الفنَّانون الإيطاليون في العديد من أعمال النَّحت, وفي الولايات المتحدة تمَّ استخدام الرُّخام الوارد من ولاية “تنيسي” في أجزاء من البهو القومي للفنون في العاصمة واشنطن.
أما في الحضارة الإسلامية فقد استخدم الرخام منذ القديم, فمع ازدهار هذه الحضارة وما صاحبها من نهضة عمرانية واسعة تميزت بالاعتناء الفائق بجماليات العمارة وزخرفتها, فقد ازدهرت صناعة الرخام وانتشر استخدامه في عمارات المسلمين الدينية والمدنية، فاستعمل في الأرضيات، في كساء الجدران والنوافير وأحواض الحمام واستخدم في المنابر، فضلاً عن استخدامه كأعمدة رابطة في البناء, وقد ذكر المؤرخ  “ابن فضل العمري” أن الجامع الأموي في دمشق استخدم في بنائه الرخام الملون كالغرابي والمنقط والمشحم والأحمر والأخضر والسماقي، وهي أنواع الرخام في ذلك الوقت, وأشار “المقريزي” في كتابه (الخطط) إلى تنافس سلاطين وأمراء الممالك في إنشاء الأبنية ذات الزخارف والجدران والأعمدة الرخامية..

استخدامات متعددة
لا يقتصر استخدام الرخام على البناء فقط, بل يستخدم في الديكور بطرق متعددة، ومن تلك الطرق استخدامه بالنحت وصناعة التماثيل وكذلك في الزخارف, ويعود ذلك إلى جماليته باللون والملمس, ومن المؤكد أننا جميعاً قد شاهدنا كثيراً من تلك التحف والتماثيل تملأ الزوايا أو تتوسط إحدى قاعات الاستقبال في القصور أو المنازل أو المراكز التجارية, إن ذلك الاستخدام للرخام ليس بالشيء الجديد, فقد رافق الرخام منذ بداية اكتشافه, ولدينا أمثلة رائعة لفن النحت ومنها واجهة قصر المشتى الذي شيده بعض خلفاء الأمويين في بادية الأردن، وهي من حجر مزخرف بأنواع الزخرفة الهندسية والنباتية, وفي قبة الصخرة لوحان من الرخام من الزخارف المحفورة ويمكن نسبتهما إلى زمن إعادة بناء القبة أيام عبد الملك بن مروان.
وكذلك كان المسجد الأموي بدمشق مشهوراً بالزخارف الرخامية الجميلة التي كانت تغطي أرضيته وأجزاء من جدرانه، والنوافذ الستة المصنوعة من الرخام المفرغ في أشكال هندسية مختلفة متداخلة.

المصدر: الأفكار الذكية

1 فكرة عن “الرخام.. روعة الفخامة والبريق الطبيعي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top